فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وصحت الياء فيه على جهة الندور، كأعبلت المرأة.
والقياس: وأزانت، كقولك وأبانت.
وقرأ أبو عثمان النهدي بهمزة مفتوحة بوزن افعألت، قاله عنه صاحب اللوامح قال: كأنه كانت في الوزن بوزن احمأرَّت، لكنهم كرهوا الجمع بين ساكنين، فحركت الألف فانقلبت همزة مفتوحة.
ونسب ابن عطية هذه القراءة لفرقة فقال: وقرأت فرقة وازيأنت وهي لغة منها قال الشاعر:
إذا ما الهوادي بالعبيط احمأرَّت

وقرأ أشياخ عوف بن أبي جميلة: وازيانت بنون مشدّدة وألف ساكنة قبلها.
قال ابن عطية: وهي قراءة أبي عثمان النهدي.
وقرأت فرقة: وازّاينت، والأصل وتزاينت فأدغم، والظن هنا على بابه من ترجيح أحد الجائزين.
وقيل: بمعنى أيقنوا وليس بسديد، ومعنى القدرة عليها التمكن من تحصيلها ومنفعتها ورفع غلتها، وذلك لحسن نموها وسلامتها من العاهات.
والضمير في أهلها عائد على الأرض، وهو على حذف مضاف أي: أهل نباتها.
وقيل: الضمير عائد على الغلة.
وقيل: على الزينة، وهو ضعيف.
وجواب إذا قوله: {أتاها أمرنا} كالريح والصر والسموم وغير ذلك من الآفات كالفار والجراد.
وقيل: {أتاها أمرنا} بإهلاكها، وأبهم في قوله: {ليلًا أو نهارًا}، وقد علم تعالى متى يأتيها أمره، أو تكون أو للتنويع، لأنّ بعض الأرض يأتيها أمره تعالى ليلًا وبعضها نهارًا، ولا يخرج كائن عن وقوعه فيهما.
والحصيد: فعيل بمعنى مفعول أي: المحصود، ولم يؤنث كما لم تؤنث امرأة جريج.
وقال أبو عبيدة: الحصيد المستأصل انتهى.
وعبر بحصيد عن التألف استعارة، جعل ما هلك من الزرع بالآفة قبل أوانه حصيدًا علاقة ما بينهما من الطرح على الأرض.
وقيل: يجوز أن تكون تشبيهًا بغير الأداة والتقدير: فجعلناها كالحصيد.
وقوله: {كأن لم تغن بالأمس}، مبالغة في التلف والهلاك حتى كأنها لم توجد قبل، ولم يقم بالأرض بهجة خضرة نضرة تسر أهلها.
وقرأ الحسن وقتادة: {كأن لم يغن} بالياء على التذكير.
فقيل: عائد على المضاف المحذوف الذي هو الزرع، حذف وقامت هاء التأنيث مقامه في قوله: {عليها}، وفي قوله: {أتاها} فجعلناها.
وقيل: عائد على الزخرف، والأولى عوده على الحصيد أي: كأن لم يغن الحصيد.
وكان مروان بن الحكم يقرأ على المنبر: كأن لم تتغن بتائين مثل تتفعل.
وقال الأعشى:
طويل الثواء طويل التغني

وهو من غنى بكذا أقام به.
قال الزمخشري: والأمس مثل في الوقت.
كأنه قيل: كأن لم تغن آنفًا انتهى.
وليس الأمس عبارة عن مطلق الوقت، ولا هو مرادف كقوله: آنفًا، لأنّ آنفًا معناه الساعة، والمعنى: كأن لم يكن لها وجود فيما مضى من الزمان.
ولولا أنّ قائلًا قال في غير القرآن كأن لم يكن لها وجود الساعة لم يصح هذا المعنى، لأنه لا وجود لها الساعة، فكيف تشبه وهي لا وجود لها حقيقة بما لا وجود لها حقيقة؟ إنما يشبه ما انتفى وجوده الآن بما قدر انتفاء وجوده في الزمان الماضي، لسرعة انتقاله من حالة الوجود إلى حالة العدم، فكان حالة الوجود ما سبقت له.
وفي مصحف أبي: كأن لم تغن بالأمس، وما كنا لنهلكها إلا بذنوب أهلها.
وفي التحرير نفصل الآيات، رواه عنه ابن عباس.
وقيل في مصحفه: وما كان الله ليهلكها إلا بذنوب أهلها.
وفي التحرير: وكان أبو سلمة بن عبد الرحمن يقرأ في قراءة أبيّ كأن لم تغن بالأمس، وما أهلكناها إلا بذنوب أهلها، ولا يحسن أن يقرأ أحد بهذه القراءة لأنها مخالفة لخط المصحف الذي أجمع عليه الصحابة والتابعون انتهى.
كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون أي: مثل هذا التفصيل الذي فصلناه في الماضي، نفصل في المستقبل.
وقرأ أبو الدرداء: لقوم يتذكرون بالذال بدل الفاء. اهـ.

.قال ابن القيم:

قوله تعالى: {إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام}
شبه سبحانه الحياة الدنيا في أنها تتزين في عين الناظر فتروقه بزينتها وتعجبه فيميل إليها ويهواها اغترارا منه بها حتى إذا ظن أنه مالك لها قادر عليها سلبها بغتة أحوج ما كان إليها وحيل بينه وبينها فشبهها بالأرض التي ينزل الغيث عليها فتعشب ويحسن نباتها ويروق منظرها للناظر فيغتر به ويظن أنه قادر عليها مالك لها فيأتيها أمر الله فتدرك نباتها الآفة بغتة فتصبح كأن لم تكن قبل فيخيب ظنه وتصبح يداه صفرا منها فكذا حال الدنيا والواثق بها سواء وهذا من أبلغ التشبيه والقياس ولما كانت الدنيا عرضة لهذه الآفات والجنة سليمة منها قال والله يدعو إلى دار السلام فسماها هنا دار السلام لسلامتها من هذه الآفات التي ذكرها في الدنيا فعم بالدعوة إليها وخص بالهداية من يشاء فذاك عدله وهذا فضله. اهـ.

.قال أبو السعود:

{إِنَّمَا مَثَلُ الحياة الدنيا} كلامٌ مستأنف مسوقٌ لبيان شأنِ الحياةِ الدنيا وقصرِ مدة التمتعِ بها وقربِ زمانِ الرجوع الموعودِ، وقد شبِّه حالُها العجبية الشأنِ البديعةُ المثالِ المنتظمةُ لغرابتها في سلك الأمثالِ في سرعة تقضِّيها وانصرامِ نعيمها غِبَّ إقبالِها واغترارِ الناسِ بها بحال ما على الأرض من أنواع النباتِ في زوال رونقِها ونضارتِها فجأةً وذهابِها حُطامًا لم يبق لها أثرٌ أصلًا بعد ما كانت غضّةً طرية قد التف بعضُها ببعض وزُيِّنت الأرضُ بألوانها وتقوّت بعد ضعفِها بحيث طمِع الناسُ وظنوا أنها سلِمت من الجوائح، وليس المشبَّهُ به ما دخله الكافُ في قوله عز وجل: {كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السماء فاختلط بِهِ نَبَاتُ الأرض} بل ما يفهم من الكلام فإنه من التشبيه المركب {مِمَّا يَأْكُلُ الناس والانعام} من البقول والزروعِ والحشيش {حتى إِذَا أَخَذَتِ الأرض زُخْرُفَهَا} جُعلت الأرضُ في تزينها بما عليها من أصناف النباتاتِ وأشكالِها وألوانِها المختلفة المونقةِ آخذةً زخْرُفَها على طريقة التمثيلِ بالعروس التي قد أخذت من ألوان الثيابِ والزَّيْن فتزيّنت بها {وازينت} أصله تزينت فأدغم، وقرئ على الأصل وقرئ وأزْينت كأغيلت من غير إعلالٍ والمعنى صارت ذاتَ زينةٍ وازْيانَّت كابياضّت {وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا} متمكنون من حصدها ورفعِ غَلّتها {أَتَاهَا أَمْرُنَا} جوابُ إذا أي ضرب زرعَها ما يجتاحه من الآفات والعاهات {لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا} أي زرعَها وسائرَ ما عليها {حَصِيدًا} أي شبيهًا بما حُصد من أصله {كَأَن لَّمْ تَغْنَ} كأن لم يغنَ زرعُها والمضافُ محذوفٌ للمبالغة وقرئ بتذكير الفعل {بالامس} أي فيما قبلُ بزمان قريبٍ فإن الأمسَ مثلٌ في ذلك كأنه قيل: لم تغنَ آنفًا {كذلك} أي مثلَ ذلك التفصيلِ البديعِ {نُفَصّلُ الآيات} أي الآيات القرآنيةَ التي من جملتها هذه الآية.
المنبهةُ على أحوال الحياةِ الدنيا أي نوضّحها ونبيِّنها {لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} في تضاعيفها ويقفون على معانيها، وتخصيصُ تفصيلِها بهم لأنهم المنتفعون بها، ويجوز أن يرادَ بالآيات ما ذُكر في أثناء التمثيلِ من الكائنات والفاسداتِ وبتفصيلها تصريفُها على الترتيب المحكيِّ إيجادًا وإعدامًا فإنها آياتٌ وعلاماتٌ يستدل بها من يتفكر فيها على أحوال الحياةِ الدنيا حالًا ومآلًا. اهـ.

.قال الألوسي:

{إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} كلام مستأنف لبيان شأن الحياة الدنيا وقصر مدة التمتع فيها، وأصل المثل ما شبه مضربه بمورده ويستعار للأمر العجيب المستغرب، أي إنما حالها في سرعة تقضيها وانصرام نعيمها بعد إقبالها واغترار الناس بها {كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السماء فاختلط بِهِ} أي فكثر بسببه {نَبَاتُ الأرض} حتى التف بعضه ببعض، فالباء للسببية ومنهم من أبقاها على المصاحبة، وجعل الاختلاط بالماء نفسه فإنه كالغذاء للنبات فيجري فيه ويخالطه والأول هو الذي يقتضيه كلام ابن عباس رضي الله تعالى عنهما {مِمَّا يَأْكُلُ الناس والأنعام} كالبقول والزروع والحشيش والمراعي، والجار والمجرور في موضع الحال من النبات {حتى إِذَا أَخَذَتِ الأرض} أي استوفت واستكملت {زُخْرُفَهَا} أي حسنها وبهجتها {وازينت} بأصناف النبات وأشكالها وألوانها المختلفة.
كأذيال خود أقبلت في غلائل ** مصبغة والبعض أقصر من بعض

وقد ذكر غير واحد أن في الكلام استعارة بالكناية حيث شبهت الأرض بالعروس وحذف المشبه به وأقيم المشبه مقامه وإثبات أخذ الزخرف لها تخييل وما بعده ترشيح، وقيل: الزخرف الذهب استعير للنضارة والمنظر الشار، وأصل ازينت تزينت فأدغمت التاء في الزاي وسكنت فاجتلبت همزة وصل للتوصل للابتداء بالساكن، وبالأصل قرأ عبد الله، وقرأ الأعرج والشعبي وأبو العالية ونصر بن عاصم والحسن بخلاف {وازينت} بوزن أفعلت كأكرمت، وكان قياسه أن يعل فيقلب ياؤه ألفًا فيقال أزانت لأنه المطرد في باب الأفعال المعتل العين لكنه ورد على خلافه كأغيلت المرأة إذا سقت ولدها الغيل وهو لبن حملها عليه وقد جاء أغالت على القياس.
ومعنى الأفعال هناك هنا الصيرورة أي صارت ذات زينة أو صيرت نفسها كذلك، وقرأ أبو عثمان النهدي {أزيأنت} بهمزة وصل بعدها زاي ساكنة وياء مفتوحة وهمزة كذلك ونون مشددة وتاء تأنيث، وأصله ازيانت بوزن احمارت بألف صريحة فكرهوا اجتماع ساكنين فقلبوا الألف همزة مفتوحة كما قرئ {الضألين} [الفاتحة: 7] وجاء أيضًا احمأرت بالهمزة كقوله:
إذا ما الهوادي بالعبيط حمأرت

وقرأ عوف بن جميل {ازيانت} بألف من غير إبدال، وقرئ {ازاينت} لقصد المبالغة {وازينت وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا} أي على الأرض، والمراد ظنوا أنهم متمكنون من منفعتها محصلون لثمرتها رافعون لغلتها، وقيل: الكناية للزروع، وقيل: للثمرة، وقيل: للزينة لانفهام ذلك من الكلام {أَتَاهَا أَمْرُنَا} جواب {إِذَا} أي نزل بها ما قدرناه من العذاب وهو ضرب زرعها ما يجتاحه من الآفات والعاهات كالبرد والجراد والفأر والصرصر والسموم وغير ذلك {لَيْلًا أَوْ نَهَارًا} أي في ليل أو في نهار، ولعل المراد الإشارة إلى أنه لا فرق في إتيان العذاب بين زمن غفلتهم وزمن يقظتهم إذ لا يمنع منه مانع ولا يدفع عنه دافع {فَجَعَلْنَاهَا} أي فجعلنا نباتها {حَصِيدًا} أي شبيهًا بما حصد من أصله، والظاهر أن هذا من التشبيه لذكر الطرفين فيه فإن المحذوف في قوة المذكور، وجوز أن يكون هناك استعارة مصرحة والأصل جعلنا نباتها هالكًا فشبه الهالك بالحصيد وأقيم اسم المشبه به مقامه، ولا ينافيه تقدير المضاف كما توهم لأنه لم يشبه الزرع بالحصيد بل الهالك به.
وذهب السكاكي إلى أن في الكلام استعارة بالكناية حيث شبهت الأرض المزخرفة والمزينة بالنبات الناضر المونق الذي ورد عليه ما يزيله ويفنيه وجعل الحصيد تخيلًا ولا يخفى بعده {كَأَن لَّمْ تَغْنَ} أي كان لم يغن نباتها أي لم يمكث ولم يقم، فتغن من غنى بالمكان إذا أقام ومكث فيه ومنه قيل للمنزل مغني، وقد حذف المضاف في هذا وفيما قبله فانقلب الضمير المجرور منصوبًا في أولهما ومرفوعًا مستترًا في الثاني، واختير الحذف للمبالغة حيث أفاد ظاهر الكلام جعل الأرض نفسها حصيدًا وكأنها نفسها لم تكن لتغيرها بتغير ما فيها، وقد عطف بعضهم عليهما {عَلَيْهَا} لما أن التقدير فيه على نباتها فحذف المضاف وجر الضمير بعلى وليس بالبعيد خلا أن في كون الحذف للمبالغة أيضًا ترددًا، وقيل: ضمير {تَغْنَ} وما قبله يعودان على الزرع كما قيل في ضمير {عَلَيْهَا} وقيل: يعودان على الأرض ولا حذف بل يجعل التجوز في الإسناد.
وأنت تعلم أن إرجاع الضمائر كلها للأرض ولو مع ارتكاب التجوز في الإسناد أولى من إرجاعها لغيرها كائنًا ما كان.
نعم إنه لا يمكن إرجاع الضمير إليها في قراءة الحسن {يُغْنِى} بالياء التحتية وجعل ذلك من قبيل ولا أرض أبقل أبقالها كما ترى فينبغي أن يرجع للنبات أو للزرع مثلًا ومآل المعنى كأن لم يكن نابتًا {بالامس} أي فيما قبل إتيان أمرنا بزمان قريب فإن الأمس مثل في ذلك، والجملة التشبيهية جوز أن تكون في محل النصب على أنها حال وأن تكون مستأنفة لا محل لها من الإعراب جوابًا لسؤال مقدر، والممثل به في الآية ما يفهم من الكلام وهو زوال خضرة النبات فجأة وذهابه حطامًا لم يبق له أثر بعد ما كان غضًا طريقًا قد التف بعضه ببعض وازينت الأرض بأوالنه حتى طمع الناس وظنوا أنه قد سلم من الجوائح لا الماء وإن دخلته كاف التشبيه فإنه من التشبيه المركب مع اشتمال الكلام نفسه على أمور حقيقية وأمور مجازية فيها من اللطافة ما لا يخفى.
وعن أبي أنه قرأ {كَأَن لَّمْ تَغْنَ بالامس وَمَا أهلكناها إِلا بِذُنُوبِ أَهْلِهَا} {كذلك} أي مثل ذلك التفصيل البديع {نُفَصّلُ الآيات} أي القرآنية التي من جملتها هذه الآية الجليلة الشأن المنبهة على أحوال الحياة الدنيا أي نوضحها ونبينها {لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} في معانيها ويقفون على حقائقها، وتخصيصهم بالذكر لأنهم المنتفعون، وجوز أن يراد بالآيات ما ذكر في أثناء التمثيل من الكائنات والفاسدات وبتفصيلها تصريفها على الترتيب المحكي إيجادًا وإعدامًا فإنها آيات ما ذكر في أثناء التمثيل من الكائنات والفاسدات وبتفصيلها تصريفها على الترتيب المحكي إيجادًا وإعدامًا فإنها آيات وعلامات يستدل بها المتفكر فيها على أحوال الحياة الدنيا حالًا ومآلًا والأول هو الظاهر.
وعن أبي مجلز أنه قال: كان مكتوبًا إلى جنب هذه الآية فمحى {وَلَوْ أَنَّ عَلَيْهِمْ ءايات الرحمن خَرُّواْ سُجَّدًا وَبُكِيًّا فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ الصلاة واتبعوا الشهوات فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيًّا إِلاَّ مَن تَابَ}. اهـ.